الاثنين، 30 نوفمبر 2015

حكامة نزاهة القضاء: الدعامات و الآليات





إن من أهم دعامات إصلاح القضاء كمقوم من مقومات التماسك الاجتماعي وكعامل من عوامل الانتقال الديموقراطي- تعزيز الحكامة المؤسسية التي تحدث عنها صاحب الجلالة بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الأخيرة والتي تقتضي توفير ضمانات الاستقلالية وتحديث المنظومة القانونية الى جانب تأهيل الموارد البشرية وترسيخ تخليقها والعمل على إشراكها وتفعيلها، وهو الجانب الذي سوف نركز عليه من خلال الوقوف على مبدأ النزاهة كقيمة من القيم السلوكية المتطلبة في الجهاز القضائي. وهو ما سوف تولى الإحاطة به من خلال محورين

المحور الأول: دعامات نزاهة القضاء


المحور الثاني: آليات تفعيل نزاهة القضاء


المحور الأول: دعامات نزاهة القضاء

النزاهة هي نظام قانوني وسلوك أخلاقي وتربوي يقتضي وجود مرجعية يحتكم إليها الجهاز القضائي لتمديد قواعد العمل القضائي السليم في سبيل تحقيق العدالة وتوطيد الثقة والمصداقية في الجهاز القضائي باعتباره حصنا منيعا لدولة الحق والقانون، وعمادا للأمن القضائي والكلمة الجيدة ومقوما من مقومات التنمية المستدامة.
لن أخفي القارئ الكريم أن الإحاطة بمبدأ النزاهة لايمكن أن يتم بمعزل عن باقي المبادئ الأخرى التي تشكل في مجملها قيما سلوكية تعزز ضمانات استقلال القضاء. ولأجل ذلك قيل بأن تعريف النزاهة في هذا المجال أمر شائك خاصة وأنها من الأمور الداخلية.
ومع ذلك قيل بأن النزاهة في علاقة تشاركية مع الشفافية، وفي المقابل في علاقة قطعية مع الفساد.
واليوم أكثر من أي وقت مضى أصبح الجميع يتحدث عن فساد الجهاز القضائي (التقارير الدولية - التقارير الوطنية - تقارير المجتمع المدني - خطب جلالة الملك - ...........) غير أن هذا الفساد يمكن تداركه من خلال مجموعة من الدعامات تحميلها فيما يلي:
أولا: الدعامات الفردية: أو ما يمكن تسميته بالضمير الفردي للقاضي:
ويدخل ضمن هذه الدعامات الفردية:


مراعاة الجانب التعبدي:

لأن استحضار القاضي للجانب التعبدي والروحي من شأنه أن يقيم في نفسه رقابة داخلية تؤنبه في كل خطوة يخطوها في مراحل الحكم، ولاستحضار هذا الجانب نورد قوله: ان الله مع القاضي ما لم يجر،«فإن جار تخلى عنه وأزمه الشيطان» وفي رواية الأحمد: «يد الله مع القاضي حين يقضى، ويد الله مع القاسم حين يقسم»
وقال أبو عبيدة: «إن الحاكم العدل يسكن الأصوات عن الله تعالي، وأن الجائر تكثر منه الشكاية الى الله تعالى
و مجمل القول أن استحضار الجانب التعبدي لدى الجهاز القضائي يقتضي وجوبا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باعتبارهما العمادان الأعظمان من أعمدة ديننا الحنيف.

الجانب الأخلاقي:

الحاكم الذي يقضي في حقوق الناس، وأعراضهم ودمائهم لاشك وأنه يكون دائما عرضة لسقطات الألسن، ومثارا للغمز واللمز، وضعه كالزجاج الرقيق الذي تخدشه اللمسة العادية، وتسيئ إليه الكلمة العابرة، وتجرحه الهفوة الصغيرة، وتؤثر في سمعته بعض «الأمور المباحة، فما بالك بالأمور التي فيها شبهة؟؟ أو تفوح من رائحتها الشبهة؟
لهذا حرص العلماء والفقهاء على سد الأبواب وإغلاق النوافذ التي يظن أنها سوف تؤثر في نزاهة القضاء، وذلك بالتأكيد على تخليق الجهاز القضائي عموما والقاضي على وجه الخصوص على أساس أن هذه الدعامة الأخلاقية تعتبر دعامة أساسية من دعامات إحلال النزاهة.
وبهذا الخصوص فإنه كثيرا ما كانت الأخلاق وحِدَّة الذكاء والفراسة وحسن النظر في الأمور سببا في اختيار القضاه. ولأجل ذلك فإننا نؤكد أن استحضار الجانب الأخلاقي في هذا السياق يقتضي النظر إليه من زاويتين:
تخليق الضمير الجماعي: التخليق المؤسساتي، تخليق الضمير الفردي: تخليق القاضي وأعوانه وذلك باتخاذ مجموعة من التدابير التي سوف نتولى الوقوف عليها في المحور الثاني.


الجانب التربوي والمعرفي:



ومفاده ان هناك علاقة تلازم وتكامل بين مبدأ النزاهة وعامل المعرفة لدى القاضي: بحيث أنه لا يمكن الحديث عن قاض نزيه من غير أن يمتلك من المؤهلات العلمية والتربوية ما يؤهله لتنزيه نفسه عن الهفوات، ولأجله نجد حرص الرسول (وبعد الخلفاء الراشدة والتشريعات اللاحقة على تولية منصب القضاء لأعرف الناس بمداخله ومخارجه على أساس أن القضاء قبل أن يكون سلطة فهو علم متميز لا يصلح له إلا من غاص بين قيعانه وسير أغواره وأعماقه.)

ومن خلال هذه المقاربة نقول بأن تأمين استقلال القضاء لن يتأتى إلا بإيلاء مهامه لذوي التكوين والكفاءة والنزاهة، فضلا على ضرور اعتماد استراتيجية جهوية ووطنية متطورة وفعالة للتكوين والتكوين المستمر المرتكز على أحدث الوسائل البيداغوجية والتربوية (قضاة -أعوان كتابة الضبط - محامون - خبراء...).
هذا إلى جانب إلزامية ممارسة نوع من النقد الذاتي لدى القضاة كمدخل ثقافي لقطع الصلة مع مبدأ «القضاء صنعة» وهي بدون شك دعامات سوف تؤدي لا محالة الى تكريس مبدأ الأمن القضائي والذي من شأنه أن يقيم مصالحة بين القاضي والمتقاضي كمدخل للإصلاح والذي يفترض إلى جانب النزاهة، التكوين المؤهل.

ثانيا: الدعامات المجتمعية:

والمقصود بهذه الدعامات أن الحديث عن نزاهة القضاء يتعين ان يتم من خلال حركية مجتمعية شاملة، على أساس أن إصلاح القضاء رهين بإصلاح المجتمع بمختلف مكوناته.
من هنا نتساءل عن دور الأفراد والمؤسسات داخل المجتمع في تدعيم نزاهة القضاء؟
على اعتبار ان الدعامات المجتمعية محكومة من وجهة نظرنا المتواضعة بمقاربتين:
مقاربة مؤسساتية الدولة وتشمل مكوني المجتمع المدني
مقاربة وظيفية: وظيفة الفرد داخل المجتمع ودوره في تدعيم نزاهة القضاء، مع أن التحدي الواجب رفعه في هذا المجال هو التفكير في حل المشاكل التي يطرحها التفاعل بين مكونات مؤسسة القضاء وفعاليات المجتمع السياسي والمدني. خاصة وأن القضاء في الآونة الأخيرة أصبح ملزما بالانفتاح على محيطه الخارجي. (الصحافة والإعلام - الجمعيات.....)
ولن تفوتني الفرصة للتذكير بالمعطى الثقافي والسوسيولوجي للمتقاضي ومدى تأثيره السلبي على نزاهة جهاز القضاء. وهو ما يجعل مبدأ النزاهة مبدأ مركبا لا ينصرف فقط الى نزاهة القاضي وإنما الى نزاهة المجتمع بمختلف مكوناته.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن المقاربة الاجتماعية تدعيم مبدأ نزاهة القضاء يقتضي أولا حماية القاضي من المؤثرات الخارقة سواء تعلق الأمر بنسق القيم الاجتماعية في المجتمع أو سلطة المال أو الإعلام. على أساس أن من معوقات الحكامة الجيدة في مجال القضاء نذكر:
التحالف الواقع بين أصحاب الأعمال والإعلام الرامي إلى إنشاء مجموعات إعلامية CNN-TIMER- WARNER والتي تعبر عن مصالح معينة وتؤثر سلبا على سير بعض المنازعات القضائية.
ضعف القدرات المجتمعية في تأطير المواطن في علاقته بجهاز القضاء
انعدام الثقة بين المواطن وجهاز القضاء.


المحور الثاني: آليات تفعيل نزاهة القضاء:

يعد مبدأ تأهيل الهياكل والموارد البشرية والرفع من النجاعة القضائية وترسيخ تخليف المنظومة «القضائية من أهم محاور» العمل الاستراتيجي لإصلاح القضاء عموما، ولضمان النزاهة في الجهاز القضائي على وجه الخصوص. وهي في الواقع محاور لا يمكن تحقيقها إلا من خلال اتخاذ مجموعة من الآليات التدبيرية والإجرائية والرقابية التي نحيط بها من خلال ما يلي:

أولا: الآليات التدبيرية والاجرائية:

الآليات التدبيرية:


تتحدد الآليات التدبيرية في مجال نزاهة القضاء بالنظر الى أهم الأوراش والإصلاحات الواجب استحضارها في كل مقاربة إصلاحية للحد من معوقات الحكامة الجيدة في المجال القضائي عموما والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:
التعامل مع إصلاح القضاء ونزاهته لا باعتباره قضية قطاعية وإنما كمهمة وطنية بامتياز، تحقيقه أو تخلفه رهين بتضافر مختلف الفاعلين السياسيين والمدنيين داخل المجتمع: الدولة- القاضي- المجتمع: وهي في مجملها تمثل ما يمكن أن نطلق عليه:

مستويات حكامة القضاء ومبدأ الثانوية الفاعلة:

ضمان استقلال القاضي من خلال ضمان استقلال القضاء كشرط أساسي لدعم النزاهة.
ضرورة اعتماد مقاربة تشاركية في تدبير مبدأ نزاهة القضاء وذلك بإشراك القاضي عند صياغة البرامج الإصلاحية وكل ما يتعلق بمنظومته السلوكية.
الزامية تشبع القاضي بالقيم السلوكية المثلى من نزاهة وشجاعة وحياد ووقار وهو ما جسده صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله في رسالته الموجهة الى أعضاء المجلس الأعلى للقضاء بتاريخ 12/04/2004 فيما عبر عنه بالميثاق بين القاضي وضميره والذي لقيه من تحكم السلط الأخرى شديدة الإغراء.
توفير الأمن المالي وذلك بتحسين الوضعية المادية للقضاة بشكل يكفل لهم ممارسة المهنة المنوطة بهم بمنأى عن أي تأثير خارجي (مادي أو معنوي).

إعداد:ذ/سمير آيت أرجدال



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق