الاثنين، 30 نوفمبر 2015

ضوابط التمييز بين الأموال العامة و الخاصة.

ضوابط التمييز بين الأموال العامة و الخاصة:


مبدئيا يمكن القول أن كل ما لا يمكن اعتباره مالا عاما فهو مال خاص، إلا أنه يجب تحديد خصائص و مميزات المال العام، خصوصا أن أغلب التشريعات لا تضع لوائح محددة لأموال الدومين العام، بل فقط تعمل على تعيين بعض هذه الأموال دون وضع تعريف دقيق وشامل لها.
كما أن الآراء و الإتجاهات الفقهية قد تباينت حول تحديد معيار لتمييز الأموال العامة عن الأموال  الخاصة فتراوحت ما بين الأخذ بطبيعة المال العام ذاته كضابط لتحديده، وبين معيار المال المخصص لخدمة المرافق العامة، ومعيار تخصيص المال للمنفعة العامة.

الفقرة الأولى: معيار طبيعة المال.

 لقد اعتمد أنصار هذا الجانب من الفقه على طبيعة المال ذاته كضابط لتمييز الأموال العامة عن الخاصة،  و تجدر الإشارة إلى أن هذا المعيار هو أول المعايير التي ظهرت للتمييز ما بين الأموال العامة و الخاصة،  و أكثرها تأثرا بالقانون الخاص و قد استمد هذا المعيار من المادة 538 من القانون المدني الفرنسي (مدونة نابليون لسنة 1804)، التي نصت على عدم قابلية بعض الأملاك العامة للتملك كالطرق، فقام "باردوسو" بصياغة تفرقة بين أملاك الدومين الوطني المنتج والقابل للتملك الخاص و بين الأملاك العامة المخصصة بطبيعتها للإستعمال الجماعي، والتي لا يجوز التصرف فيها أو تملكها بالتقادم، كما لا ترد عليها حقوق الإرتفاق. حيث ذهب هذا الإتجاه إلى إعتبار أن كل مال غير قابل للتملك الخاص بطبيعته يعد مالا عاما, كالطرق العامة والبحار و الأنهار و كل ما لا يجوز تملكه ملكية خاصة لإضفاء الصفة العامة عليه.
و عليه فإن المال العام يكون مخصصا لإستعمال الجمهور مباشرة لأنه بهذا التخصيص يصبح المال بطبيعته غير قابل للملكية الخاصة، و بالتالي نلاحظ أن هذا المذهب يقوم على عنصرين أساسيين:
ـ  عدم قابلية المال بطبيعته للتملك الخاص.
ـ تخصيص المال لإستعمال الجمهور مباشرة.
لكن هذا المعيار قد تعرض إلى إنتقادات واسعة لما فيه من هفوات، و من أهم هذه الإنتقادات:
1ـ أنه قد حصر الأموال العامة في نطاق ضيق لا يتسع إلا للقليل من هذه الأموال.
2ـ من الممكن تصور ملكية الأفراد و الشركات الخاصة لبعض الأموال التي يقال عنها
- وفقا لهذا المعيار- أنها بطبيعتها غير قابلة للتملك الخاص كالطرق و الموانئ، فلا يوجد ما يمنع تملك بعض الشركات الخاصة لأحد الموانئ مثلا، بل إن الكثير من الموانئ و منشآت السكك الحديدية و المطارات في الوقت الحاضر تعود ملكيتها إلى شركات خاصة أو إلى أفراد.
3ـ إن هذا المعيار ينافي طبيعة الأشياء، فليس ثمة أموال تخرج بطبيعتها من التملك الخاص، إلى تلك التي يعم نفعها الجميع.
و أمام هذه الإنتقادات حاول أصحاب هذا الإتجاه أن يوسعوا من نطاق دائرة الأموال العامة محاولة منهم للرد على الإنتقادات حيث قالوا: يجوز إلى جوار المال العام بطبيعته إنشاء مال عام بنص القانون فيستطيع المشرع بذلك أن يوسع من نطاق الأموال العامة.
وعلى الرغم من ذلك لم يصمد هذا المعيار أمام الإنتقادات العديدة،لذلك بحث الفقهاء عن معيار آخر لتمييز الأموال العامة عن الخاصة.


الفقرة الثانية: معيار تخصيص المال للمرفق العام.

يرى الإتجاه الثاني من الفقه في المال العام كل ما هو مخصص لتدبير و تسيير مرفق عام كضابط مميز بين الأموال العامة و الخاصة، هذه الأموال كلما خصصت لخدمة المرافق العامة فهي أموال عامة، فيعد مالا عاما كل عقار أو منقول تملكه الدولة و يكون مخصصا لخدمة مرفق عام، و المرفق العام هو كل نشاط تقوم به الدولة و يستهدف تحقيق منفعة عامة، و وفقا لرأي هذا المعيار تعتبر المباني و المؤسسات الحكومية و ما فيها من أدوات و أثاث مكتبية من الأموال العامة، لأنها جميعا مخصصة لخدمة المرافق العامة.
لكن لا يمكن الأخذ بهذا المعيار لأنه يدخل في مفهوم المال العام، جميع الأموال المخصصة للمرافق العامة. و ذلك معناه الجهل بحقيقة أساسية، والتي يستفاد منها أن كل هذه الأموال ليست لها نفس القيمة و الأهمية في حياة سير المرافق العامة، فهناك من هذه الأموال ما قد يخضعه المشرع من حيث حمايته لأحكام القانون الخاص نظرا لنسبية أهميته.
وتفاديا للإنتقادات التي وجهت لهذا الإتجاه أيضا عمد الفقهاء إلى تبني معيار ثالث يقول بتخصيص المال العام للمنفعة العامة.

الفقرة الثالثة: معيار تخصيص المال للمنفعة العامة.

نتيجة للإنتقادات الكثيرة التي وجهت للمعيارين السابقين  يذهب الرأي السائد في الفقه إلى إتخاذ (تخصيص الأموال للمنفعة العام) معيارا مميزا للأموال العامة، فقد حاول أنصار هذا الرأي و على رأسهم الفقيه " هوريو" تفادي الإنتقادات التي وجهت للمعايير السابقة. لذلك ذهبوا إلى أن المعيار المميز للمال العام يكمن في فكرة تخصيص المال العام للنفع العام سواء خصصت الأموال لإستعمال الجمهور أم لخدمة مرفق عام. فوفقا لهذا المعيار المزدوج يعد مالا عاما كل ما تملكه الدولة و يكون مخصصا لإستعمال الجمهور أو لخدمة مرفق عام، و قد وسع هذا المعيار من دائرة الأموال العامة، فاعتبروا أن كل المباني الحكومية المخصصة للمرافق العامة و المنقولات المخصصة للنفع العام كالآثار التاريخية و كتب المكتبات العامة، تعد من قبيل المال العام. حيث أكد الفقيه " هوريو" في هذا الإتجاه أن المال العام يجب  أن يكون مخصصا للنفع العام بقرار صريح من الإدارة.
وكمحاولة لتفادي الإنتقادات الموجهة لما ذهب إليه هوريو، أكد الأستاذ "والين" أن  المال العام المخصص للنفع العام، و الذي تفرض المصلحة العامة أن تطبق في شأنه الأحكام و القواعد الإستثنائية لنظام الدومين العام، و يكون للدولة بصدده سلطة حمايته ضد أي اعتداء من طرف الخواص. و بالتالي حتى يصبح المال عاما، لزوما أن تتوفر فيه بعض الشروط:
ـ أن يكون المال خاصا بإحدى الأشخاص المعنوية العامة، و يخرج عن دائرة الأموال العامة تلك التي يتملكها الأفراد، و التي لا يمكن أن تكتسي صفة العمومية، إلا إذا انتقلت إلى شخص من أشخاص القانون العام، وفق إحدى الطرق المشروعة قانونا مثلا، نزع الملكية بالتراضي.
ـ أن يخصص المال العام لغايات المصلحة العامة، مثلا استعمال المواطنين للطرق العامة أو الإستفادة من خدمات مرفق عام، و لا فرق بين أن تكون تلك الأموال عامة بسبب طبيعتها أو وفق مجهود بشري، فالمعيار الحاسم هو تخصيص المال العام للمنفعة العامة،  مما يمكن معه القول و الجزم، أن إخضاعها للمنفعة العامة، يقتضي أن تسري عليها أحكام لا نظير لها في القانون الخاص، و الأحكام المنظمة للأموال العامة أو الأملاك العمومية في تشريع المملكة المغربية منصوص عليها في الظهير الشريف الصادر في 1 يوليوز 1914. 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق