الجمعة، 4 ديسمبر 2015

مقدمة عامة: مبادئ المسطرة الجنائية. " 1 "


مقدمة عامة: مبادئ المسطرة الجنائية:

المبحث الأول: التعريف بالمسطرة الجنائية و بيان أهميتها:
المطلب الأول: التعريف بالمسطرة الجنائية.

لم يعرف المشرع المغربي قانون م ج ، إلا انه من خلال نصوصها  يمكمن معرفة انها مجموع القواعد التي توضح كل الإجراءات الخاصة بالبحث للتثبت من وقوع الجريمة و ضبط مرتكبها  و جمع الدلة و إقامة الدعوى  ع و إجراءات المحاكمة و ما يترتب عنهما من طرق الطعن و التنفيذ و رد الإعتبار و العفو أو بمفهوم آخر  هي مختلف القواعد التي تحدد اختصاصات سلطات بحث  الضابطة ق ، ن ع، ق ت و المحكمة، بمعنى أنها توضح الإجراءات التي يتعين اتباعها سواء خلال إجراءات التحقيق و المحاكمة بالإضافة إلى بيان حقوق المترافعين. و بصفة عامة يمكن القول أنها مختلف القاواعد القانونية التي تهتم بتحديد و تنظيم مختلف السلطات ج  و تبين السبل التي يتحتم اتباعها أمامها بهدف الوصول إلى تطبيق قواعد ق ج و لذلك وصفت قواعد م بالقانون الشكلي و قواعد ق ج بالقانون الموضوعي.
و يمكن القول بأن كل ماسبق يتعلق بالمفهوم الواسع لقواعد المسطرة ج أما المفهوم الضيق فيصدر نطاقها في الإجراءات  التي تتم على يد القضاء فقط مما يرتب إبعاد الأبحاث التمهيدية و إجراءات تنفيذ العقوبة ، و إن كان المفهوم الأخير فيه انكار للمجهودات التي يقوم بها جزء مهم من رجال ش ق إضافة إلى الأهمية التي تكتسبها هذه الأعمال أمام المحاكم الزجرية فهي تشكل حجية قوية أمام المحاكم الجنحية بحيث ترسم الوجهة التي سوف تسير عليها القضية الجنحية في مراحل التي تتبعها.
و تجدر الملاحظة أن قواعد ق م ج لا تشمل قضاء تنفيذ العقوبات كما هو الأمر مثلا بالنسبة للقضاء الفرنسي حيث يبسط القاضي رقابته على كيفية تطبيق العقوبة و تخويله فرصة لتفريد الجزاء حتى بعد النطق بالحكم.
و إن كان هذا لا ينفي أن الإجراءات المسطرية قابلة للتوسع في التقسيم لما يحقق العدالة و يحقق مصلحة المتهم عند غموض النص، و إذا انعدم النص وجب الرجوع إلى المسطرة المدنية للإستهداء بها على ألا يتعارض ذلك مع قواعد ق ج التي لا تقبل التوسع في التفسير بما لا يحتمله النص. 
المطلب الثاني: أهمية المسطرة ج:
تتجلى أهمية قواعد م ج من الناحية التشريعية في كونها تحرك قواعد ق ج كما أن قواعدها تحتك باستمرار مع حقوق الفرد و حريته، و خير مثال على ذلك الإعتقال الإحتتياطي، و صلاحيات ن ع  حيث يتأكد تأثير قواعدها على حقوق الأفراد و حرياتهم ، فمبدأ لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص قانوني سابق، الوارد في القانون ج لا يستفيد منه كثيرا إذا كانت المسطرة قد اغفلت حمايته من التعسف في الوصع تحت الحراسة و الإعتقال الإحتياطي، و لم توفر له ضمانات الدفاع عن نفسه هذا إذا كانت أحكام المسطرة معيبة ، أما إذا كانت صالحة فإنه اتساعد على تفادي قساوة  القانون ج ، و ذلك بنصها على ضمان حقوق الدفاع و اقتناع القاضي بنسبة الجريمة إلى المحكوم عليهن فمدى أهمية م ج يتجلى من نواحي متعددة نذكر منها الآتي:
1ـ م ج لازمة لتطبيق ق ج فهي التي تبث الروح في نصوصه و تخرجها من الجمود إلى التطبيق عن طريق رسم السبل التي يلزم اتباعها لإكتشاف الجريمة و الوصول إلى المجرم قصد الضرب على يده أو محاولة إصلاحه.
2ـ نجد ان الفصل 23 من الدستور المغربي الحالي 2011، الذي جاء محل الفصل 10 من دستور 1996، قد دعم تكريس حقوق الدفاع بمجموعة من الحقوق و الضمانات ، فقد نص هذا الفصل 23 على أنه: " لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته إلا في الحالات و طبقا للإجراءات التي ينص ليها القانون.
الإعتقال التعسفي أو السري و الإختفاء القسري من أخطر الجرائم، و يتعرض مقترفها لأقصى العقوبات..."
3ـ تمثل قوانين م ج مصالح الأفراد و مصالح المجتمع لأن رد الفعل الإج ضد الجريمة يهدف لا محالة إلى حماية مصلحة المجتمع، إلا أن حماية هذا الأخير و الحففاظ على مصالح تقتضي حماية حقوق الأفراد.
4ـ باعتبار المغرب جزء لا يتجزء من هذا العالم فقد أخذ على عاتقه الإلتزام الدولي بهدف  مسايرة قوانينه  للمستجدات في ميدان حقوق الإنسان  و التي تنطلق أساسا من أن للإنسان قيمة في حد ذاته و أن له حدا أدنى من الكرامة لا يجوز المس به مهما كانت الظروف فهناك نصوص و وثائق دولية لها اتصال مباشر بمواضيع متعددة تدخل في صميم اهتمامات المسطرة ج كطريقة الوضع تحت الحراسة و التفتيش و حظر  التعذيب و الحق في المحاكمة العادلة و مسالة استقلال القضاء و الإعتقال الإحتياطي و تحسين وضعية السجناء و ضحايا الجريمة و غير ذلك.
5ـ و كذلك تتجلى أهمية المسطرة ج في الحياة العملية لأن كثيرا من القضايا التي تفرض من طرف المحاكم ج تكون مشوبة بعيب في الشكل  كما أن مدى هذه الأهمية يظهر في كون الفقهاء يؤكدون أن م ج  إذا كانت مصاغة صياغة متكاملة و محكمة تستطيع أن تصلح مواطن الضعف في قواعد ق ج و العكس غير صحيح.

المبحث الثاني:  القواعد العامة للمسطرة ج.

تمتاز م ج بقواعد عامة تتسير عليها منذ بداية الدعوى ع إلى النطق بالحكم، إلا أن هذه القاعدة منها ما يكون مشتركا بين م ج و بين بعض فروع لقانون الأخرى ومنها ما يجب أن يتوفر فقط في م ج و يكون خاصا به.
المطلب الأول: قواعد عامة مشتركة.
إن نصوص المسطرة ج هي التي تبعث الحركة في نصوص ق ج، و ذلك عن طريق احريك د ع و تنظيمها في جميع مراحلها، فهي لها علاقة بالقانون ج الذي تعمل على تطبيقه كما لها علاقة مع م م التي بدورها تنظم د لكن موضوعها يختلف علن موضوع د ع.
الفقرة الأولى: علاقة المسطرة ج بالقانون الجنائي.
القانون ج قانون قضائي لا يمكن أن يعرف لتطبيق إلا عن طريق د ع التي تعرض وجوبا على القضاء، لأن الجريمة واقعة ج تنشئ حق الدولة في العقاب و تخلق رابطة القانون ليس بين الجاني و الضحية، و إنما بين الدولة كشخص معنوي و بين الجاني، لذلك وجب تدخل القضاء بين الدولة و المتهم هذه العلاقة و هذه الرابطة القانونية هي التي فرضت قضائية العقوبة في المواد الجنائية وجعلت قواعد القانون الجنائي الموضوعي لا يمكن تطبيقها إلابواسطة قواعد الشكل إذ لا عقاب بدون محاكمة ، فلا يمكن للدولة أن تلجأ إلى التنفيذ المباشر للعقوبة في حق الجاني حتى و ان اعترف هذا الأخير بالجريمة التي ارتكبها و رضي بتوقيع العقوبة عليه ، و حتى ان كانت العقوبة غرامة مالية أو كانت الجريمة ذات حد واحد في العقاب ، بل لابد من اللجوء إلى القضاء  فالقاتل لا يعدم لمجرد اقترافه للجريمة و السارق لا يحبس لمجرد ارتكابه السرقة و إنما لابد للدولة أن تلجأ للقضاء ليؤكد لها حقها في العقاب. حيث ينص المشرع على قضائية العقوبة في المادة الثانية من ق م ج " يترتب على كل جريمة الحق في إقامة دعوى عمومية لتطبيق العقوبات."
فالمسطرة ج ضرورية لتطبيق القانون ج ، فقواعد ق ج لا يمكن أن تطبق إلا بناء على دعوى تدخل القضاء و مراعاة إجراءات و ضمانات تنص عليها المسطرة ج ، و ذلك خلافا لقواعد القانون المدني التي يمكن تطبيقها بدون تدخل القضاء لأن الأصل في العقود أننها تنفذ طوعا.
و تجدر الإشارة إلى أن أحكام م ج ، رغم أنها عبارة عن قواعد إجرائية ، إلا أنها ليست كلها شكلية و إنما يمكن أن تهتم بحقوق الأفراد و تحديد بعض القواعد الموضوعية كتنصيصها على الكثير من الجرائم و العقوبات المقررة لها مثل ما نجده في المادة 58 ينص على أنه يعاقب بغرامة تتراوح ما بين 1200 و 10000درهم، على كل تغيير يحصل في الأماكن التي وقعت فيها جناية قبل القيام بعمليات الأولية للبحث القضائي ، و تتشدد العقوبة لتصل  إلى الحبس من 3 أشهر إلى 3 سنوات و غرامة من 3000 إلى 12000 درهم، إذا كان القصد من محو الأثر أو إزالة الأشياء هو عرقلة سير العدالة. و المادة 61 نجد تعاقب بحبس يتراوح أمده بين شهر واحد إلى 6 أشهر و بغرامة بين 1200 و 2000 درهم كل تبليغ عن تفتيش أو إفشاء بالنسبة للبحث التمهيدي. المواد 128 و 132 الإمتناع عن أداء الشهادة. المادة 292 جرائم الجلسات ، المادة 182 الإبتعاد عن مقر الإقامة المحدد في حالة سراح، المادتين 115 و 116 حول إلتقاط المكالمات و تبديد الراسلات.
إن ق م ج يقوم بدور هام في التوفيق بين مصالح الفرد و مصالح المجتمع، رغم أن هذا التوفيق عسير وليس بالأمر الهين إلا أنه إذا ما تم فإنه يحقق أقصى ما يمكن من العدالة و الطمأنينة للمجتمع و ق ج بدوره يهتم في اتجاهه العام بحقوق الأفراد و المجتمع معا. لكن قواعده لا تخاطب و لا تطبق إلا على المجرمين الفعليين الذين تثبت إدانتهم في حين أن ق م ج يطبق على الأبرياء و المتهمين، و إن كان من الناحية المبدئية لا يطبق إلا على الأبرياء ما دام ان الأصل هو البراءة، لذلك قيل أن ق م ج هو قانون الشرفاء، بينما ق ج هو قانون الأشرار.
 الفقرة الثانية: علاقة قانون المسطرة ج بالمسطرة المدنية.
لم تكن الحقوق المدنية متميزة عن الحقوق الجزائية في القديم و بالتالي لم تكن إجراءات م ج تختلف عن الإجراءات المدنية، إلا أن التطور التاريخي أدى إلى إنفصال كل منهما عن الآخرى و ظهرت أوجه إختلاف بينهما هي:
ـ م م ترمي لضمان حقوق الفرد المالية و تمكينه من التعويض المناسب أما م ج  تهدف إلى حماية المصلحة ع  و تعمل على إلحاق الجزاء بكل مجرم، مع المحافظة على براءته و ضمان حقوقه في الدفاع عن نفسه.
ـ إذا كان موضوع م م هو التثبت من حق أو واقع يبحث بصورة مجردة و لا تستلزم في القاضي الذي يقوم به أكثر من كونه فقيها، فإن موضوع م ج هو الكائن البشري و البحث عن جريمته و إثبات مسؤوليته و بالتالي لا يكتفي في القاضي الذي يقوم بذلك أن يكون فقيها و إنما يجب ان يكون عالما بكثير من العلوم الأخرى مثل ع الإجرام، و ع النفس، و ع الإج،...، حتى يستطيع أن يقوم بعملية الإسناد أي لإسناد الفعل الإجرامي إلى صاحبه دون الوقوع في خطا.
ـ إذا كانت الجريمة تولد غالبا نوعين من الضرر، ضررا عاما هو الجريمة المرتكبة و ضررا خاصا و بالتالي نوعين من الدعاوى ، دعوى ج الغرض منها تطبيق العقوبة و دعوى م لتعويض الضرر، فإنه في بعض الحيان لا تسبب الجريمة في أي ضرر خاص و بالتالي لا تقام إلا الدعوى ع كما هو الشان في جريمة المحاولة، جريمة حمل السلاح بدون رخصة، في المخالفات عموما.
ـ و إذا كان تنفيذ الحكم المدني يتم بمعرفة المحكوم له و على نفقته و إن الحكم ج ينفذ بمعرفة ن ع و بواسطة القوى العمومية.
ـ بالرغم من الإختلافات بين إجراءات م م و ج الذي يرجع إلى طبيعة كل إجراء فإن ق م م يعتبر قانونا عاما بل أصلا ل ق م ج، شرط ألا تتناقض القواعد م مع طبيعة القواعد التي نظمتها م ج و لا مع الغاية التي تهدف إليها. كما في مسائل المداولة في الأحكام الجنائية ، و رد الخبراء و إدخال الغير أمام المحكمة ج ، و هي مسائل أقرها الإجتهاد و لا تتناقض مع الإجراءات ج+ إلى جانب هذه القواعد المشتركة بين المسطرتين ج و م، هناك قواعد أخرى تجمع بينهما كوحدة المحاكم  أي المحاكم التي تخلقها و تسيرها الدولة، حيث نجد أن المشرع المغربي قد تخلى عن مفهوم التخصص في العمل القضائي كتعيين قضاة متخصصين في المواد ج أو المدنية.
و بالنسبة لفكرة القضاء الجماعي ،نجد أن المشرع المدني لم يعد يأخذ بها منذ ظ 15 يوليوز 1974، المتعلق بالتنظيم القضائي الجديد الذي نص فصله الرابع على أن المحاكم الإبتدائية يقيم جلساتها قاض منفرد ، ولم يعد تعدد القضاة ممكنا إلا في جلسات محاكم الإستئناف و المجلس الأعلى، غير أن ق م ج الذي دخل حيز التنفيذ منذ فاتح أكتوبر 2003 غير هذه القاعدة و وضعمعيارا سليما لإنعقاد القضاء الجماعي أو القضاء المنفرد في المادة 374 م ج ، و يتعلق الأمر بالقضاء المنفرد كلما كان الحد القصى للعقوبة المقررة للجريمة سنتين حبسا أو أقل أو كانت العقوبة غرامة فقط.
قاعدة تعدد درجات التقاضي و التي أصبحت مبسطة عما كانت عليه من قبل نتيجة للتنظيم القضائي الجديد و ذلك بالرغم من التعديلات التي طرأت على ظ التنظيم القضائي المشار إليه أعلاه.

يتبع.....
                                                               فاطمة الزهراء، طالبة موجزة في القانون الخاص.

هناك تعليق واحد: