الخميس، 3 ديسمبر 2015

الركن المادي لجرائم المال العام: ( الإختلاس، الغدر، تبديد الأموال العامة )


 الركن المادي لجرائم المال العام.

             ( الإختلاس، الغدر، تبديد الأموال العامة )

                  
                     يأخذ الإعتداء على المال العام صور عدة مختلفة ، غير أن المشرع لم يجرم في القانون الجنائي مجموعة من هذه الإعتداءات ، و إنما اكتفى بصور محددة ، و قد تطرق المشرع الجنائي المغربي لهذه الجرائم في الفرع الثالث تحت عنوان: في الإختلاس و الغدر الذي يرتكبه الموظفون العموميون. من الفصل 241 إلى الفصل  247،  من الكتاب الثالث من مجموعة القانون الجنائي.
و لقيام النموذج القانوني لجرائم المال العام ينبغي أن يتوافر في فاعلها صفة الموظف العمومي، فهو شرط و ركن مفترض في جرائم الإعتداء على الأموال العامة.

المطلب الأول: الركن المادي لجريمة إختلاس المال العام.
يقوم الركن المادي لجريمة اختلاس المال العام حسب الفصل  241 من القانون الجنائي المعدل و المتمم بالقانون رقم : 79.03 و الذي ينص على أنه : " يعاقب بالسجن من خمس إلى عشرين سنة و بغرامة من خمسة آلاف إلى مائة ألف درهم كل قاض أو موظف عمومي بدد أو اختلس أو احتجز بدون حق أو أخفى أموالا عامة أو خاصة أو سندات تقوم مقامها أو حججا أو عقودا أو منقولات موضوعة تحت يده بمقتضى و ظيفته أو بسببها.
فإذا كانت الأشياء المبددة أو المختلسة  أو المحتجزة أو المخفاة تقل قيمتها عن مائة ألف درهم، فإن الجاني يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات و بغرامة من ألفين إلى خمسين ألف درهم." على فعل الإختلاس الواقع من  الموظف العمومي على مال عام أو خاص أو سندات تقوم مقامها أو حججا أو عقودا أو منقولات تكون موجودة في حوزته بسبب وظيفته أو بمقتضاها ، فيحول حيازته الناقصة للمال إلى حيازة كاملة، فينظر إلى المال و كأنه ماله الخاص فيتصرف فيه تصرف المالك في ملكه، فعلة التجريم هنا أن اختلاس المال العام يتضمن اعتداء على هذا الأخير و هذا ما جرمه المشرع في الفصل 241 من ق ج السالف البيان، فيأخذ الإختلاس معنى سلب الشيء أو الإستحواذ عليه خفية أو خلسة بسوء نية ضد إرادة مالك الشيء.
كما نجد المشرع في قانون العدل العسكري قد عاقب على الخصوص في الفصول 165 و 166 و 167 منه، كل جندي يبيع فرسا أو دابة للحمل أو الجر أو عربة أو شيئا مما يخصص لمصلحة الجيش أو أمتعة اللباس و التسليح و التجهيز و العتاد و غيره، إذا أودع تحت يده لمصلحة الجيش، و كذا كل جندي يخفي أو يشتري عن علم أو يختلس ما ذكر أو يرهن الأسلحة و العتاد و أموال المؤن أو الأموال المخصصة للجنود أو الأشياء الأخرى المملوكة للدولة و عهد إليه باستعمالها أو بحراستها.[1]
و قد نص المشرع على هذه الجريمة و على عقوبتها أيضا في المادة 32 من ظهير 06/10/1972 المتعلق بمحكمة العدل الخاصة - الملغاة - و التي كانت تنص على أنه :   " يعاقب بالسجن من عشر سنوات إلى عشرين سنة كل قاض أو موظف عمومي بدد أو اختلس أو احتجز بدون حق أو أخفى أموالا عامة أو خاصة أو سندات تقوم مقامها أو حججا أو سندات أو عقودا أو منقولات موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته أوبسببها"[2] . 
و نظرا للطبيعة الخاصة لهذه الجرائم التي تعد من جرائم ذوي الصفة التي لا تقع إلا من قبل الموظف العمومي ، فهي تمثل مظهرا من مظاهر الفساد الإداري و من الإخلال بالثقة العامة، و وفقا لنص الفصل 241 السالف الذكر فإن الركن المادي لهذه الجريمة يتمثل في فعل الإختلاس ، و محل هذا الاختلاس، و أن يكون الشيء المختلس في حيازة الموظف بمقتضى وظيفته و بسببها.

الفقرة الأولى : فعل الإختلاس:
فعل الإختلاس هو السلوك الإجرامي اللازم لقيام الركن المادي في جريمة الموظف العام، حيث تتجه نيته إلى إعتبار هذا المال مملوكا له.[3] بأي فعل يكشف عن نيته في تملك المال.
و قد عبر المشرع عن هذا السلوك الإجرامي المكون للجناية المنصوص عليها في الفصل 241 من ق ج، بلفظ الإختلاس ، و هذا اللفظ هو جوهر تغير نية المتهم بحيث يترتب عليه تغير لصفة الحيازة التي يحولها من حيازة ناقصة إلى حيازة كاملة، تخوله حق التصرف في المال تصرف المالك في ملكه ، بمعنى أن تصرف الجاني في المال الذي عهدته على اعتبار أنه مملوك له يحقق فعل الإختلاس.
و تجد الإشارة إلى أن مدلول " الإختلاس " قد طبع  بالغموض الذي من عند الفقهاء المسلمين يعني: " إختطاف المال سواء من يد الحائز أو على مرأى منه و الفرار به ". أما الفقه الفرنسي القديم فقد كان يطلق لفظ الإختلاس soustraction  على كل بادرة تؤدي إلى إغتيال المال عن صاحبه من طرف الجاني بغض النظر عن الوسيلة التي استعملها تأثرا منه و لا شك  بمفهوم الإختلاس الذي كان سائدا في القانون الروماني و الذي كان يتحقق في حالات ثلاث  :
الأولى: حينما يستولي شخص على مال يملكه الغير، أو يتصرف في وديعة أو كراء كما لو كان  هو المالك.
الثانية: حينما يستولي الشخص على مال لا يملكه و إنما يحوزه بمقتضى عقد من العقود المخولة للحيازة.
الثالثة: حينما يستولي المالك على المال الذي تخلى عن حيازته لآخر بصفة شرعية.
فمن خلال ملاحظة الحالات التي يتحقق فيها الإختلاس في القانون الروماني يتبين أن هذا الأخير أعطى للمصطلح مفهوما واسعا.[4] كما أن " الإختلاس يتحقق بكل عمل أو تصرف ينبئ عن اتجاه  نية الجاني إلى الإستيلاء على الشيء لديه كإخراج مواد غذائية أو مواد أو أدوات  من مستودعاتها و نقلها إلى منزله أو إلى متجر أو إلى أي مكان آخر غير مخصص لإيداعها فيه.[5]  كما يتحقق بارتكاب جندي لأحد الأفعال المعاقب عليها في الفصول  165 و 166 و 167 من قانون العدل العسكري السالفة الذكر.
و قد أكد المجلس الأعلى هذا في قراره عدد 158/1 الصادر بتاريخ 27/02/2007 في القضية عدد 20489/05 على أن " ... أن المحكمة أبرزت بما فيه الكفاية العناصر التكوينية لجنحة اختلاس أموال عامة وفق ما تقتضيه الفقرة الثانية من الفصل 165 من قانون العدل العسكري بما فيه فعل الإختلاس و كون المال المختلس يتعلق بتعويضات الإطعام الخاصة بالجنود ، و أن هذه التعويضات عهد إليه بها باعتباره يعمل محاسبا في مصلحة رواتب الوحدة ..."
و قد عرف ذ/ محمد نجيب حسني الإختلاس بقوله : " هو فعل يباشر به المختلس  على المال سلطات لا تدخل إلا في نطاق سلطات المالك، أو بتعبير آخر هو سلوك المختلس إزاء الشيء مسلك المالك."[6]
و بالتالي يمكن إجمال فكرة الإختلاس في أنه فعل يعتبر في صورة قاطعة عن تحويل الحيازة الناقصة إلى حيازة كاملة ". أما إذا كان سلوك الجاني لا ينم عن نية قاطعة في تملك المالك و تعيير حيازته الناقصة إلى حيازة كاملة فلا يقوم به الإختلاس.
مما يطرح إشكالين أساسيين و هما : متى يتم فعل الإختلاس ؟ و هل يتصور الشروع في جريمة الإختلاس؟
متى يتم فعل الإختلاس:
تظهر أهمية هذا السؤال من كون المال المختلس موجوود بين يدي الموظف منذ البداية، و من ثم فإن الإختلاس بالمعنى المراد قانونا لا يتطلب فعلا ماديا يقوم بمقتضاه الجاني بنقل المال إلى حيازته ، إذا افترضنا أنه في حوزته ابتداء لكنه يحوزه في حساب الجهة  التي يعمل بها وليس لحسابه هو، و ذلك ما يطلق عليه الحيازة المادية أو الحيازة الناقصة.
و لذلك يكفي أن يغير الجاني نيته في حيازة ذلك المال من كونه يحوزه لحساب الجهة التي يعمل بها إلى كونه يحوزه لحسابه هو نفسه. غير أنه لما كان تغيير النية على ذلك النحو أمرا داخليا في نفس الجاني، فإنه يلزم أن يقع من الجاني فعلا أو سلوكا يدل على وجود هذه النية ، و من هنا كان القول بأن تصرف الموظف العام في ذلك المال تصرف المالك  في ماله ، هو الدليل على تغير نيته على النحو المتقدم أي هو الدليل على تمام فعل الإختلاس.
و على ذلك فإذا تمثلت الواقعة في قيام الجاني بإقراض المال الموجود في حوزته بسبب وظيفته ـ وفقا للمعنى السالف البيان ـ إلى الغير، أو باستخدامه في شراء شيء لحسابه ثم بيعه و رد المبلغ الأصلي ، أو بإيداعه لحساب نفسه في أحد البنوك بنية رده فيما بعد إلى الجهة صاحبة الحق فيه، فإنه يكون بذلك قد تصرف تصرف المالك في ملكه و هو ما تقوم به جريمة الإختلاس كما هي معرفة في القانون.[7]
و لا يشترط أن يتصرف الجاني في هذا المال بل يكفي أن يصدر منه أي فعل يفصح عن  نيته في تملكه  فيقع الإختلاس بكل فعل يفصح عن نيته في تملكه فيقع الإختلاس بكل فعل أو تصرف يدل على أن الموظف قد غير حيازته من ناقصة إلى تامة، و اعتبر المال مملوكا له، كما لو عرضه للبيع ، أو الرهن أو باعه، أو رهنه فعلا.
و يقع الإختلاس بسحب الموظف المال الذي في عهدته من الخزانة، و إيداعه باسمه في أحد المصارف ، أو بإدعائه أنه لم يتسلم المال الذي في عهدته من الخزانة متى ثبت أن ذلك كان مقرونا بنية التملك.
هل يتصور الشروع في جريمة الإختلاس:
من المعروف أن الشروع هو البدء في تنفيذ الفعل المكون للجناية أو الجنحة بقصد ارتكابها متى أوقف أو خاب أثره لسبب لا دخل للإرادة فيه، و لذلك فإذا كان المال بحسب الفرض هو حيازة الموظف أصلا بسبب وظيفته فلا محل للحديث عن بدء التنفيذ ، أي لا محل للحديث عن الشروع ، و علة ذلك كما سبق بيانه أنه لا يلزم لقيام جريمة الإختلاس سوى تحول نية الموظف  من حيازة المال لحساب جهة عمله ، إلى حيازته لحساب نفسه و ذلك أمر نفسي و غير حسي أي غير مادي  و من ثم فلا محل للشروع في جريمة الإختلاس.[8]
و بالتالي فإن الإختلاس لا يقوم لمجرد تغير النية، و إنما لابد من توافر ماديات تسانده و يستدل منها على نية الحائز في تغير صفته على المال العام أو يزعم هلاكه أو تبديده. و لا يشرط بتحقق الإختلاس خروج المال الذي تصرف فيه بالفعل من حيازته بل تقوم الجريمة بهذا التصرف و لو كان المال لا يزال موجودا في المكان المعد أصلا لحفظه، كضبط أشياء بيعت من المخزن قبل إتمام نقلها.
كما لا يشترط لقيام جريمة الإختلاس أن يترتب عليه ضرر الدولة أو لغيرها إذ لا تنفى هذه الجريمة برد مقابل المال المختلس.[9]

الفقرة الثانية : محل الإختلاس:
طبقا لنص الفصل 241 السابق الذكر فإنه إذا كان يفترض في جناية الإختلاس أن المال الذي يكون في حيازة الموظف عاما، فالنص صريح في عدم التفريق بين أموال الدولة العامة أو الخاصة أو أحد الأشخاص الإعتبارية  العامة و أموال الخواص متى تسلمها الموظف بسبب وظيفته فالعبرة بالوظيفة لا غير، و قد سوى العمل القضائي من حيث الحماية الجنائية بين كافة الأموال سواء كانت هذه الأموال للدولة أو كانت لإحدى الجهات التي تسهم فيها الدولة أو أموالا خاصة للأفراد كانت تحت يد الإدارة أو كانت الجهات ليست للدولة عليها إلا حق الإشراف و التوجيه. و ذلك لأن علة التجريم ليست حماية أموال الدولة فحسب ، بل حماية الثقة فيها التي يزعزعها استيلاء موظف خائن على مال سلمه إليه مالكه ثقة فيه، و في الدولة التي يعمل باسمها.
و إذا رجعنا إلى الفصل 241 من ق ج و المادة 32 من ظهير 06/10/1972 المتعلق بمحكمة العدل الخاصة -الملغاة – السابق ذكرهما، نجد أن الأشياء التي تكون موضوعا للإختلاس هي:
ـ الأموال: أي النقود سواء كانت عامة ملكا للدولة أو إحدى المؤسسات التابعة لها أو كانت خاصة ترجع إلى ملك الأشخاص العاديين كان هؤلاء الأشخاص طبيعيين أو إعتباريين كالشركات و الجمعيات  و الأحزاب.
ـ السندات التي تقوم مقام النقود: في التعامل و الإبراء و الأداء كالشيك و السفتجة.
ـ الحجج: أي الأوراق التي توثق فيها الحقوق و الإلتزامات و التي يحتج بها لإثباتها سواء كانت أوراقا رسمية أو عرفية كسند القرض و الوديعة.
ـ السندات: و تعني الوثائق ذات القيمة المالية كالأسهم و الحوالات و سندات الخزينة العامة.
ـ العقود: بمدلولها في القانون المدني و القانون الإداري، و تشمل كل وثيقة تتضمن إلتزاما نشأ بإرادة المتعاقدين.
ـ المنقولات: و المنقول، هنا كما في جريمتي السرقة و خيانة الأمانة مدلول أوسع من المعنى الذي يحدده له القانون المدني ، فهو يشمل كل ما له كيان مادي و يمكن نقله من مكان إلى آخر ولو لحقه تلف من هذا النقل ، و هكذا يعتبر منقولا: الحيوان و البضائع و الوسائل ، و الملابس ، و وسائل النقل، و غير ذلك كما يدخل في المنقول العقار بالتخصيص كالآلات الموضوعة في الأراضي المسترجعة ، و كذلك ما ينتزع من العقار بالأصالة كتبديد أو اختلاس شبابيك أو مصعد أو خزانات ثابتة في عقار.[10]
و بالتالي فإنه يصلح أن يكون محلا للإختلاس كل مال أي كانت صورته نقوداً أو مجوهرات أو أشياء ثمينة ، و بصفة عامة كل الأموال المنقولة، لكن العقارات لا تصلح محلا للإختلاس.
و لا يشترط أن يكون المال المختلس ذا قيمة معينة ، فتقع جريمة الإختلاس حتى و إن كانت قيمة المال المختلس قيمة ضئيلة، و ينحصر أثر ضآلة قيمة المال المختلس في جواز الحكم بالعقوبات المخففة.
ومن الجائز أن يكون محلا للإختلاس الأوراق و المستندات أو الصور أو الخطابات التي ليس لها إلا قيمة أدبية.
و ليس من الضروري أن يكون المال محل الإختلاس مشروعا فتتوفر بالتالي جريمة اختلاس المال العام حتى و لو كان هذا المال غير مشروع كالمواد المخدرة و الأسلحة المحظورة حيازتها ، غير أن هذا المال ـ ولو كان غير مشروع ـ يجب ان يحوزه الموظف العمومي بسبب وظيفته أو بمقتضاها.
الفقرة الثالثة : وجود المال في حيازة الموظف العام أو من في حكمه بسبب وظيفته أو  بمقتضاها.
لا بد من قيام علاقة سببية بين حيازة الموظف العام أو من في حكمه للمال و بين وظيفته فلتحقق هذه الجريمة يجب أن يكون المال في حيازة الجناة الذين لهم صفة يحددها القانون أي قضاة و موظفون عموميون تطبيقا لنص الفصل 224 من القانون الجنائي الذي ينص على أنه: "يعد موظفا عموميا، في تطبيق أحكام التشريع الجنائي، كل شخص كيفما كانت صفته، يعهد إليه في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة، بأجر أو بدون أجر و يساهم بذلك في خدمة الدولة، أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية، أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام.
و تراعى صفة الموظف في وقت إرتكاب الجريمة ومع ذلك فإن هذه الصفة تعتبر باقية له بعد انتهاء خدمته، إذا كانت هي التي سهلت له ارتكاب الجريمة أو مكنته من تنفيذها."
و أن تكون الأموال أي الأشياء المختلسة قد سلمت للموظف بمقتضى قوانين الوظيفة بمعنى أن تكون صفة الرسمية هي التي أتاحت له حيازة المال ، أي أن يكون مختصا على نحو ما بهذه الحيازة ، مما يترتب عليه ألا تقوم جريمة اختلاس المال العام إذا انتفت عن المتهم صفة الموظف العمومي حسب نص الفصل 224 من ق  ج الآنف ذكره، بل تعد جريمة خيانة الأمانة أو أو سرقة أو نصب حسب نوع الفعل الذي ارتكبه و تطبق عليه مقتضيات الفصل 241  من ق ج ، إذا لا يكفي مجرد وجود المال في حيازة الموظف حتى يعد مرتكبا لجناية الإختلاس و يشترط أن يكون وجود المال المختلس بين يدي الموظف العام أو تسليمه إليه من مقتضيات العمل و أن يدخل في اختصاص الموظف بحكم وظيفته سواء كان ذلك استنادا لأحكام الوظيفة ذاتها أو كان تنفيذا لأمر صادر ممن يملكه، أو مستمدا منى القوانين و اللوائح مباشرة، و بعبارة أشمل فلا قيام لهذه الجريمة إلا إذا حاز الموظف المال المختلس بمقتضى وظيفته وليس بمناسبتها فقط.
و على ذلك فإذا تمثلت  الواقعة في وجود شرطي في المركز سلم إليه مبلغ الغرامة المستحقة لتسليمها إلى مأمور التحصيل لكن الشرطي أخذ مبلغ الغرامة لنفسه فلا يعد ذلك إختلاسا في مفهوم الفصل 241 من ق ج، إذ لا شأن لوظيفته باقتضاء الغرامة  بحيث لا يكفي لوقوع جريمة الإختلاس محل الدراسة أن يكون التسليم قد تم له بمناسبة وظيفته، مادام ليس من مقتضياتها و يجوز محاسبته على جريمة خيانة الأمانة المنصوص عليها في الفصول من 547 إلى الفصل 555 من ق ج.
و كأحد الموظفين الذي يقحم نفسه فيما هو خارج عن نطاق أعمال وظيفته تهاونا من هؤلاء الموظفين و تغاضيا منهم عنه، فإن ذلك لا يمكن أن يضفي عليه الإختصاص بحيازة أموال لحساب الدولة ثم يستولي مثل هذا الموظف على ما حازه من مال مملوك للدولة.
أما من الأمثلة على التسلم بسبب الوظيفة ، وصول الأشياء إلى الموظف نتيجة خطأ أو غلط من إدارة البريد مثلا أو الناقل أو المرسل كما إذا كان يعتقد أنه الموظف المختص و الواقع غير ذلك.
و يستوي أن يتسلم الموظف الأموال أو الأشياء بإختيار من صاحبها أو مودعها أو بدون اختياره كعون التنفيذ الذي يحجز النقود أو البضاعة المهربة، أو كمصادرة رجل الأمن الأشياء المتحصلة من جريمة.
و يتعين على الحكم ـ إن انتهى إلى إدانة المتهم ـ بتهمة الإختلاس الواردة في الفصل 241 من ق ج، أن يستظهر أن الأشياء المختلسة قد أودعت عهدت المتهم أو سلمت إليه بسبب وظيفته و حالة كون مقتضيات وظيفته،  فإن اكتفى بالأمر الأول دون الثاني فإنه ـ أي الحكم ـ يكون قاصرا في البيان مما يستتبع نقضه.[11]
و في هذا الصدد قضت محكمة العدل الخاصة الملغاة بما يلي:
" ... إن جريمة الإختلاس إنما تتحقق بوجود مال عام أو خاص تحت يد قاضي أو موظف عمومي بمقتضى وظيفته أو بسببها، و لا يكفي لتحقق ( أركان الجريمة وجود صفة قاضي ) أركان هذه الجريمة وجود صفة قاض أو موظف عمومي وحدها ، بل يجب إلى جانب ذلك إثبات كون الأموال التي استولى عليها الفاعل كانت تحت يده بحكم وظيفته أو بسببها..."[12]


فاطمة الزهراء، طالبة موجزة في القانون الخاص.

يتبع...
[1]  ذ/ الطيب، أنجار. مرجع سابق. ص 47.
[2]  ذ/ الخمليشي . مرجع سابق. ص  186.
[3]  ذ/ عبد القادر، عبادي . مرجع سابق. ص  172.
[4]  ذ/ عبد الواحد، العلمي. " شرح القانون الجنائي الخاص: القسم الخاص " الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة السادسة 2015. ص 331 ـ332.
[5]  ذ/ الخمليشي . مرجع سابق. ص  187.
[6]  ذ/ الطيب، أنجار. مرجع سابق. ص 138 ـ 139.

[7]  ذ/ عمر،الفاروق، الحسيني. " شرح عقوبات القانون: القسم الخاص في جرائم الإعتداء على  المصلحة العام." طبعة منقحة، يناير 2009. ص 47 ـ 48.
[8]  بوشني، محمد الطاهر. " الحماية الجنائية للمال العام". مذكرة قدمة لاستكمال شهادة الماستر فيي القانون الإداري. كلية الحقوق بجامعة قاصدي مرباح، ورقلة. الجزائر. السنة الدراسية2012 ـ 2013. ص 37.
[9]  ذ/ الخمليشي. مرجع سابق. ص 187.
 [10]  ذ/ الطيب، أنجار. مرجع سابق. ص 48.
[11]  ذ/ عمر، الفاروق، الحسيني. مرجع سابق. ص 46.
[12]  ذ/ عبد القادر، عبادي. مرجع سابق. ص 176.

هناك تعليقان (2):

  1. انا طالبة انجز بحثا في خناية اختلاس اموال خاصة و تبديد اموال عمومية ارجو من سيادتكم امدادي ببعض المراجع و شكرا مسبقا

    ردحذف
    الردود
    1. انا طالب انجز بحث حول جريمة الاختلاس اطلب منكم امدادي ببعض المراجع

      حذف