الأربعاء، 2 ديسمبر 2015

نظام الإرث في الإسلام.

 نظام الإرث في الإسلام.


                   وضعت الشريعة الإسلامية نظام التوريث، على أحسن النظم المالية، و أحكمها ، و أعدلها، فقرر الدين الإسلامي، ملكية الإنسان للمال، ذكرا كان أو أنثى ، بالطرق الشرعية، كما قرر انتقال ما كان يملكه الشخص في حياته، إلى ورثته بعد وفاته من الرجال و النساء، بدون تفريق بين الصغير و الكبير، و قد بين الكتاب العزيز أحكام المواريث، و أحوال كل وارث، بيانا شاملا شافيا، حيث لم يترك لأحد من البشر، قسمة أو تحديد شيء من المواريث، فالقرآن الكريم هو العمدة في أحكامها و مقاديرها، وقد ثبت قليل منها بالسنة أو بالإجماع ، ولا يوجد في الشريعة الإسلامية، أحكام تعرّض القرآن الكريم  ببيانها بيانا تفصيليا مثل أحكام المواريث. و إنما عني الإسلام بشان المواريث هذه العناية الفائقة ، حتى خصها الكتاب العزيز ببيانها البيان المحكم لأن الإرث من أهم أسباب تملك الأموال، و المال عصب الحياة بالنسبة للأفراد و الجماعات، إذ به قوام البشرية، و عليه تدور رحى الحياة.
تعريف الإرث:
الميراث في اللغة العربية مصدر ( ورث ) يرث إرثا و ميراثا، يقال : ورث فلان قريبه، و ورث أباه. قال تعالى: " و ورث سليمان داوود"، و قال تعالى: " وكنا نحن الوارثين " و معنى الميراث في اللغة : انتقال الشيء من شخص إلى شخص أو من قوم إلى قوم، و هو أعم من أن يكون بالمال، أو بالعلم، أو بالمجد و الشرف ، ومنه قوله (ص): " العلماء ورثة الأنبياء و إن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا، و إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر."
و في الإصطلاح:
انتقال الملكية من الميت، إلى ورثته الأحياء، سواء كان المتروك مالا ، أو عقارا، أو حقا من الحقوق الشرعية.
تعريف التركة:
و التركة هي ما تركه الشخص، بعد موته من أموال و حقوق مالية أو غير مالية،فكل ما يتركه الشخص بعد وفاته، يقال له في اصطلاح جمهور الفقهاء ( تركة ) سواء كان على الميت دين أو لم يكن، و سواء كانت ديونه عينية، أو شخصية.
الحقوق المتعلقة بالتركة:
تتعلق بتركة الميت حقوق عديدة على الترتيب الآتي:
أولا: يجهز و بكفن الميت بنفقة أمثاله، من ثير إسراف و لا تقتير.
و التجهيز : هو عبارة عن فعل ما يحتاج إليه الميت من وقت وفاته إلى حين دفنه، و الذي يحتاج إليه الميت هو نفقات غسله، وكفنه، ودفنه، و كل ما يلزم إلى أن يوضع في مقره الأخير، و يختلف هذا باختلاف حال الميت يسرا وعسرا، و باختلاف كونه ذكرا أو أنثى.
ثانيا: تقضى ديونه، التي لها مطالب من جهة العباد، و التي هي في ذمة الميت ( الموروث ) فلا تقسم التركة بين الورثة، حتى تقضى الديون عن الميت لقوله (ص) : " نفس المؤمن معلقة بدينه حتى تقضى عنه".
أما ديون الله تعالى، التي ليس لها مطالب من جهة العباد، كدين الزكاة، و  الكفارات، و النذور، فلا ثؤدى من التركة ( عند الاحناف)، و تؤدى منها عند ( الجمهور) أي أنه يجب دفعها و إخراجها، قبل قسمة التركة عند جمهور الفقهاء.
ثالثا: تنفذ وصايا الميت ، في حدود الثلث ( لغير الوارث)، بدون توقف على إجازة أحد، و ذلك بعد أداء ما يكفي للتجهيز، و بعد أداء الديون التي عليه، أما إذا كانت الوصية باكثر من الثلث، فلا تنفذ إلا برضى الورثة، فيما زاد عن الثلث، لقوله ( ص)  ( لسعد بن أبي وقاص) : " الثلث و الثلث كثير، غنك أن تذر ورثتك أغنياء، خير من ان تذرهم عالةة يتكففون الناس."
و قال ( ص): " إن الله تصدق عليكُم، عند وفاتكم ، بثلث أموالكم، زيادة في أعمالكم."
رابعا: يُقسّمُ ما بقي من التركة من التركة، بين الورثة حسب الكتاب، و السنة، و إجماع الأمة .
تنبيه: قدمن الوصية على الدين في الآية الكريمة: " من بعد وصية يوصى بها أو دين." ، مع أن الحكم الشرعي، أن الدين يقدم على الوصية كما سلف الذكر، و قد يقول قائل: ما الحكمة من ذلك؟ و الجواب: أن التقديم للعناية و الإهتمام بها، و لحث الورثة على تنفيذ الوصية حتى لا يتهاونوا في أمرها، لأن الوصية لما كانت تبرعا محضا ليس في مقابلها عوض، فقد تشح نفوس الورثة بأدائها، و يتهاونون في إخراجها ، بخلاف الدين فإنه في مقابل عوض، و هناك من يطالب به، و هو الدائن فمن أجل هذا قدمت الوصية و الله اعلم.
مراتب الورثة:
الورثة ليسوا كلهم في درجة واحدة، و إنما هم على مراتب، فيُبْدأُ بهم على الوجه الآتي:
أولا: أصحاب الفروض: يعطى من التركة أصحاب الفروض ، وهم الذين لهم سهام مقدرة في الكتاب، أو في السنة، أو في إجماع الأمة ، فيبدأ بهم أول التقسيم.
ثانيا: العصبات النسبية: و بعد إعطاء أصحاب الفروض، فروضهم المقدرة، يعطى العصبات النسبية، و العاصب النسبي هو: كل قريب يأخذ ما أبقته الفرائض و يحوز كل المال عند الإنفراد، كالإبن و ابن الإبن، و الأخ الشقيق، و العم و غيرهم.
ثالثا: الرد على ذوي الفروض بقدر حقوقهم ( ما عدا الزوجين ). فإذا زاد شيء عن الميراث و ليس هناك عصبة ، فإننا نرٌد المال على أصحاب الفروض، كل بقدر فرضه و سهامه، و أما الزوجان فلا يُرَد عليهما لأن إرثهما إنما هو بسبب النكاح، لا بسبب القرابة، فالقريب أولى بالرد من الزوجين.
رابعا: توريث ذوي الأرحام: و هم أقارب الميت، الذين ليسوا بأصحاب فروض، و لا عصبات، كالخال ، و الخالة، و العمة، و ابن البنت، و بنت البنت ،...فإذا لم يوجد للمتوفي قريب عاصب، و لا صاحب فرض، أخذ ( ذوي الأرحام) التركة. و توريث ذوي الأرحام ( هو مذهب الحنابلة و الحنفية و المالكية) .
خامسا: الرد على أحد الزوجين: و ذلك عند عدم وجود وارث قريب أصلا، لا من أصحاب الفروض، و لا من العصبات، ولا من ذوي الأرحام، فإذا مات الزوج مثلا ولم يترك غير زوجته و رثت (الربع) بالفرض و الباقي بالردّ، و كذلك إذا ماتت و لم تترك سوى زوجها، أخذ الزوج النصف بالفرض ، و الباقي بالردّ، فتكون التركة كلها للزوجين.
سادسا: العاصب السببي: وهو المعتق رجلا كان أو امرأة ( ولا يوجد في هذا الزمن.)
سابعا: الموصى له بما زاد عن الثلث، ولو كانت الوصية بجميع المال، و هو مذهب الحنابلة و الحنفية.
ثامنا: بيت المال: فإذا لم يوجد أحد الورثة في الدرجة والرتبة الذي ذكرناها توضع التركة في الخزانة العامة، لمصلحة المسلمين، أي في ( بيت مال المسلمين ).
أنواع الإرث أربعة و هي:
1ـ إرث بالفرض
2ـ إرث بالتعصب.
3ـ إرث بالردّ
4ـ إرث بالرحم.
أسباب الإرث:
أسباب الإرث التي يرث بموجبها الشخص ثلاثة و هي:
1ـ القرابة الحقيقية ( رابطة النسب ) و هي الولدان ، و الأولاد و الإخوة، و الأعمام، و غيرهم...بمعنى الولدان و الأولاد و من انتسب غليهما.
2ـ النكاح: وهو عقد الزوجية الصحيح، القائم بين الزوجين، و إن لم يحصل بعد دخول أو خلوة، أما النكاح الفاسد أو النكاح الباطل فلا تورث به أصلا.
3ـ الولاء:
أركان الإرث:
أركان الإرث ثلاثة:
1ـ المورِّثُ : وهو الميت الذي يستحق غيره أن يرث منه ما خلفه بعد موته.
2ـ الوارث: وهو الذي يستحق الإرث ، بالأسباب السابقة ، كالقرابة النسبية و الزوجية و غيرها.
3ـ الموروث: و هو الشيء الذي يتركه الميت ، من مال و عقار و غيره، و يسمى الموروث إرثا، و تراثا، و ميراثا، و تركة، و كلها أسماء للشيء الذي يتركه الميت للورثة.
شروط الإرث:
و هي ثلاثة:
أولا: وفاة المورِّث حقيقة أو حكما.
ثانيا: تحقق حياة الوارث عند موت المورّث.
ثالثا: العلم بجهة الإرث.
الشرط الأول: وفاة المورِّث حقيقة أو حكما.
لا يمكن أن تقسم التركة حتى يموت المورّث فعلا، أو يحكم القاضي بموته، وهو المراد من قولنا ( موته حكما ) و ذلك كالمفقود الذي لا يعرف حاله هل هو حي أم ميت؟ فإذا حكم القاضي بموته بقرائن، عند ذلك يمكن تقسيم تركته بين الورثة، ( وله بحث خاص ) فالشرط إذاً موته حقيقة، أو اعتباره ميتا بحكم القاضي، و ذلك لأن الإنسان مادام حيا فهو قادر على التصرف في ماله، و ملكه ثابت لا يزول عنه فلا يخلُفُه الغير في التصرف بماله، أما إذا مات فإنه يكون عاجزا، عجزا كليا، عن التصرف في ملكه، فيزول ملكه و ينتقل إلى ورثته.
الشرط الثاني: تحقق حياة الوارث عند موت المورّث.
و هذا لأن الوارث إنما يخلُفُ المورِّث بعد موته، و ينتقل إليه الملك بطريق الإرث، فلا بد أن يكون حيا عند موت مورِّثِه، لتتحقق أهليته إذِ الميت ليس اهلا لأن يتملك، لا بطريق الإرث و لا بغيره، ومن أجل أن نتصور هذا الشرط نقول: لو مات إثنان فأكثر من الأقارب الذين يتوارثون، و لم يُعْلم أيهما مات قبل الآخر؟ فلا توارث بينهمان و لا استحقاق لأحدهما في تركة الآخر، كما لو مات الإبن و الأب في حادثة تحطم الطائرة، أو في حادثة غرق باخرة، أو وقع سقف البيت على أسرة فيها أبناء و إخوة فماتوا، فإنه لا توارث بينهما و لا يستحق أن يرث الواحد الآخر، و تكون تركة كل واحد منهما لورثته الأحياء، المحققة حياتهم، و هذا الذي وضحناه ، هو الذي تشير أو تهدف إليه عبارة الفقهاء من قولهم: ( لا توارث بين الغرقى، و الحرقى، و الهدمى )و بذلك قضت الشريعة الإسلامية الغراء.
الشرط الثالث: العلم بجهة الإرث.
فلابد من معرفة جهة الإرث، كالزوجية، و القرابة، و بدرجة القرابة، حتى بتأتى الحكم للعالم بقسمة المواريث، فإن أحكام الإرث تختلف باختلاف جهات الإرث، و تفاوُت درجة القرابة، فلا يكفي أن نقول: إنه أخ الميت بل لا بد أن نعرف هل هو أخ سقيق، أم لأب، أم لأم ، لأن كل واحد له حكم، فأحدهم يرث بالفرض، و أحدهم بالتعصيب، و بعضهم يُحْجَبُ، و بعضهم لا يحجب و هكذا.
موانع الإرث:
هي الأوصاف التي توجب حرمان الوارث من الميراث .
الفرق بين المحروم و المحجوب:
هناك فرق دقيق بين المحروم و المحجوب، فالشخص الذي قام به المانع من الإرث كالقتل أو اختلاف الدين، يسمى في الإصطلاح ممنوعا و محروما، و يسمى عدم إرثه ( منعا و حرمانا) و يعتبر وجوده كعدمه، فلا يؤثر على غيره من الورثة.
و أما إذا كان الوارث لا يرث لوجود وارث هو أقرب منه أو أقوى منه كوجود الجد مع الأب، أو الأخ لأب مع الأخ الشقيق، فإن الجد لا يرث لوجود الأقرب منه و هو الأب، و الأخ لأب لا يرث لوجود الخ الشقيق، الذي هو أقوى منه، و في مثل هذه الحالة، لا يقال الجد محروم و لا عن الأخخ لأب إنه محروم، و إنما يقال: عن كا واحد منهما: إنه محجوب، و لا بعتبر وجوده كعدمه، بل يؤثر على غيره من الورثة.. و كمثال على ذلك:
1ـ إذا توفي الزوج عن زوجته ، وأخيه الشقيق، و ابنه القاتل، فالزوجة تأخذ الربع كأن الإبن غير موجود، و الباقي   يأخذه الأخ الشقيق تعصيبا. ولا يرث الإبن القاتل لكون محروما، فلو كان الإبن غير قاتل لأخذت الزوجة الثمن، ولم يأخذ الشقيق شيئا لأنه محجوب بالإبن، و يكون الباقي   هو للإبن تعصيبا.
2ـ إذا توفي شخص عن أب، و أم ، و إخوة أشقاء ، فالإخوة الأشقاء لا يرثون لكونهم محجوبين بالأب عن الميراث، و مع ذلك فإنهم يؤثرون على غيرهم، فقد أثروا على الأم فنقلوها من الثلث إلى السدس و لولاهم لكان نصيبها الثلث كاملا.
الوارثــــــون مـــــــــــن الرجــــــــــــــــــال
الوارثون من الرجال، المجمع على توريثهم هم عشرة بالإجمال، و خمسة عشر بالتفصيل ، وهم كالآتي:
1ـ الإبن .                                            6ـ الأخ لأب.                                      11ـ العم لأب.
2ـ ابن الإبن.                                        7ـ الأخ لأم.                                        12ـ ابن العم الشقيق.
3ـ الأب.                                              8ـ ابن الأخ الشقيق.                              13ـ ابن العم لأب.
4ـ الجد الصحيح و إن علا.                       9ـ ابن الأخ لأب.                                 14ـ  الزوج.
5ـ الأخ الشقيق.                                     10ـ العم الشقيق.                                  15ـ المعتق . 
فهؤولاء المذكورون هم الورثة من الذكور، و لا يوجد غيرهم.     

الوارثــــــاث مـــــــــــن النســــــــــــــــــاء
  و أما الوارثات من النساء فهن سبع بالإجمال و عشر بالتفصيل كالآتي:
1ـ البنت .                                                                 6ـ الأخت الشقيقة.                                     
2ـ الأم.                                                                    7ـ الأخت لأب.                             
3ـ بنت الإبن و إن نزلت.                                              8ـ
4ـ الجدة الصحيحة و إن علت ( أم الأم ).                           9ـ الزوجة.                                
5ـ الجدة الصحيحة و إن علت ( أم الأب ).                         10ـ المعتقة.


                                                 من كتاب:
                                                             المـــــــــــــــــــواريــــــــــــــــث
في الشريعة الإسلامية
في ضوء
الكتــــــــــاب و السنــــــــة
                                                          بقلــــــــــــــم
ذ/ محمــد عــلي الصـابـــوني
أستاذ بكلية الشريعة و الدراسات الإسلامية
بمكـة المكرمـة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق