الاثنين، 7 ديسمبر 2015

حماية المال العام بالمغرب المكتسب والرهان

حماية المال العام بالمغرب
المكتسب والرهان


الفصل الثالث : الفاعل في الحقل السياسي والجمعوي وحماية المال العام
يبدو أن حماية المال العام في المغرب تستدعي نشر الوعي الثقافي والسوسيولوجي بالمبادئ القانونية والقيم الأخلاقية لحماية وترشيد المال العام كواجب وطني وديني  نحو أموال الأمة المغربية، وعلى هذا الأساس فالفاعل في الأحزاب السياسية والجمعيات ذات النفع العام هو معني بشكل مباشر بإعمال الشفافية والمحاسبة وترشيد دعم الدولة والحد من إهدار المال العام، وهي دعوة للمجلس الأعلى للحسابات لإعمال الإفتحاص المالي لمواجهة  تمظهرات سلوكيات الفساد المالي داخل بعضها، كما أن الأحزاب السياسية مطالبة بالمساهمة في تخليق الحياة العامة والكشف عن نفقات الحملات الإنتخابية والتوقف عن بيع التزكيات للمنتخبين وشراء الأصوات والذمم ومناهضة ظاهرة الترحال البرلماني.
فقد نلاحظ مثلا نوعا من التقاعس، فيما يخص إعمال تدابير الإفتحاص المالي المرتبطة بالمحاسبة والمساءلة في تقارير الأحزاب السياسية والجمعيات ، حيث عبرت بعض الجمعيات والمنظمات الحقوقية المغربية عن إمتعاضها وإنزعاجها  بعد تلقيها خبر نية وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني إتخاذ قرار نشر لائحة الجمعيات التي تتلقى الدعم المالي من الخارج في إطار النهوض بحقوق الإنسان دون التصريح بذلك، وهو ما يجعل مسؤوليها يراكمون ثروات عبر التمويل الاجنبي بواسطة القنوات غير المشروعة، خصوصا وأنه تبين أن هذه المنظمات الحقوقية تقدم تقاريرها المالية في مؤتمراتها بشكل غير شفاف وغير قانوني، وهو ما يستدعي تدخل الحكومة لتطبيق نفس المعايير لمناهضة جميع أشكال الفساد المالي، فالقانون المتعلق بالتصريح الإجباري للممتلكات يجب أن يتسع نطاقه ليشمل جميع من يتحمل مسؤولية جمعوية وحزبية وكذلك الزوجات والأبناء ويجب أن يطبق هذا القانون في بداية ممارسة المهام دون إنتقائية.

يثار نقاش داخل الأحزاب السياسية حول الجدوى من نشر لوائح المستفيدين من مأذونيات النقل من قبل وزارة التجهيز والنقل والغاية من نشر لوائح الجمعيات المستفيدة من الدعم العمومي من طرف وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية ولوائح الدعم الأجنبي للجمعيات من طرف الوزارة المكلفة بالعلاقة مع البرلمان والمصلحة من نشر لوائح المستفيدين من برامج الدولة الموجهة للسكن من طرف وزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة.
في حقيقة الأمر أن هذا النقاش الدائر في الأوساط السياسية والحزبية يؤكد بما لا يدعو إلى الشك أن الفاعل السياسي لم يلتقط بتاتا الإشارات القوية التي رفعها الحراك الاجتماعي والتي تم تضمينها في الوثيقة الدستورية الحالية.
لقد أعلن جلالة الملك في خطاب تاسع مارس عن مسألة تكتسي أهمية بالغة في رسم هندسة الدستور، وهي التنصيص على الخيار الديموقراطي ضمن الثوابت المقدسة في الدستور الحالي والتي تكتسي قيمة قانونية خاصة. فإدراج الخيار الديموقراطي من ضمن محددات هوية الأمة  المغربية، هو بمثابة تأكيد قوي على تشبث الدولة بالمبادئ القانونية والقيم الأخلاقية لدولة الحق والمؤسسات، وإعتراف صريح بأنها تشكل جزء لا يتجزأ من التشريع المغربي وعنصر أساسي لمرتكزات السياسات العمومية.
إن خطاب تاسع  مارس يحمل بين طياته خارطة طريق لمرتكزات الاصلاح الدستوري، ومقاربة جديدة تروم إطلاق دينامية التسريع بوتيرة النقاش حول السبل والصيغ القانونية القادرة على تحويل إشارات ومضامين التحول الديمقراطي ببلادنا نحو دولة الحق والمؤسسات، بواسطة وثيقة دستورية مكتوبة تتفاعل مع طموحات جميع المكونات السياسية والنقابية والحقوقية والشبابية للأمة المغربية، وتنخرط في النادي المغلق للدساتير الحديثة.
فدسترة آليات تخليق الحياة العامة التي أكد عليها الدستور الحالي،  هي تجسيد حقيقي للتفاعل مع مطالب الحراك الاجتماعي وهو ما يجعل الدستور كأسمى قانون في البلد مرجعية لإستراتيجية واضحة وشفافة لتفعيل آليات المراقبة الإدارية و المالية والمساءلة في المسؤولية العمومية، والقطيعة مع سلوكيات الفساد المالي والاقتصادي وإهدار المال العام، مما سينعكس بشكل ايجابي  على الاقتصاد الوطني والإدارة المغربية اللذين أبانا عن عجز بنيوي في الإقلاع والانخراط في دينامية الدفع بالعملية التنموية ببلادنا.
ولكن بالمقابل يبدو أن الفاعل السياسي لم يستوعب بعد دلالات حماية المال العام في المغرب وذلك بالرغم من أن  الفاعل السياسي والاحزاب  هي المعنية بشكل مباشر بتفعيل مبادئ الشفافية والمحاسبة وترشيد دعم الدولة والحد من إهدار المال العام، وهي دعوة للمجلس الاعلى للحسابات لإعمال الإفتحاص المالي لمواجهة  تمظهرات سلوكيات الفساد المالي داخل بعضها، كما أن الاحزاب السياسية مطالبة بالمساهمة في تخليق الحياة العامة والكشف نفقات الحملات الانتخابية والتوقف عن بيع التزكيات للمنتخبين وشراء الأصوات والذمم ومناهضة ظاهرة الترحال البرلماني.
إن أزمة تخليق الحياة العامة تستدعي إعادة الاعتبار لدور القضاء كأداة فعالة لتكريس العدالة الإجتماعية وتطبيق القانون، خصوصا وأن التشريع الجنائي المغربي ينص على الجزاءات في حالة إرتكاب الجرائم الاقتصادية، كما أن الخطاب الملكي لتاسع مارس التاريخي إعتبر  آليات تخليق الحياة العامة تقوم على إرساء دعائم المحاسبة والمساءلة و الشفافية و الحد من تدخل السلطة التنفيذية في جهاز القضاء لتأهيله على مواجهة الجرائم الاقتصادية و التنمية و الحد من تدخل السلطة التنفيذية في جهاز القضاء لتأهيله على مواجهة الجرائم الاقتصادية و التقليل من انعكاساتها الوخيمة على المجتمع و الاقتصاد.
فالحكومة المغربية صادقت على إتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بمحاربة الفساد، وقامت بإصدار قوانين محاربة تبييض الأموال ونهب المال العام وقانون التصريح بالممتلكات، ولكن دسترة تخليق الحياة العامة ستساهم لا محالة في مواجهة الجرائم الاقتصادية وتفعيل آليات المراقبة المالية والإدارية، وتسليحها بقانون مكافحة الفساد و الجرائم الاقتصادية ووضع برامج جريئة للإصلاحات الإدارية و الجبائية والاقتصادية لمناهضة الإفلات من العقاب في حالة التملص الضريبي و استغلال النفوذ والثراء غير المشروع وتفويت الصفقات العمومية، وذلك بإعمال المراجعة القبلية والبعدية لمالية المسؤولين الممارسين لمختلف المهام الوزارية والإدارية و المنتخبين في المجالس الجماعية والبلدية و البرلمانيين.
والأبعد من ذلك، فإدماج مبادئ تخليق الحياة العامة والحكامة الرشيدة  من ضمن مرتكزات التعديل الدستوري، هي إشارة  قوية لملاءمة البنية التشريعية والمؤسساتية مع المعايير الدولية لمناهضة الفساد المنصوص عليها في إتفاقية الأمم المتحدة، خصوصا إتخاذ مجموعة من التدابير الواردة في الاتفاقية الأممية :
أ-تكفل كل دولة طرف وجود هيئة أو  هيئات تتولى منع الفساد
ب-تقوم كل دولة طرف بمنح الهيئة ما يلزم من الاستقلالية، لتمكينها من الإضطلاع بوظائفها بصورة فعالة وبمنأى عن أي تأثير، وينبغي توفير ما يلزم من موارد مادية وموظفين متخصصين، وكذلك ما قد يحتاج إليه هؤلاء الموظفون من تدريب للإضطلاع بوظائفهم.
فالضمانات الدستورية هي المدخل الرئيسي لتفعيل التزام الدولة المغربية بإرساء التدابير الوقائية والحمائية المنصوص عليها في إتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة الفساد، والتي تخول قيام الموظفين العموميين بإبلاغ السلطات المعنية عن أفعال الفساد، عندما ينتبهون إلى مثل هذه الأفعال أثناء أداء وظائفهم و وضع تدابير التصريح الموظفين العموميين بأن يفصحوا للسلطات المعنية عن ممتلكاتهم وأيضا ممارستهم لأنشطة خارجية وعمل وظيفي واستثمارات وموجودات وهبات أو منافع كبيرة  قد تفضي إلى تضارب في المصالح مع مهامهم كموظفين عموميين في سياق إعمال مبادئ الشفافية في السياسة العمومية، حيث تتعهد الدول الأطراف وفق المادة 9 من الإتفاقية الأممية لمناهضة الفساد بما يلي :
أ- نشر المعلومات المتعلقة  بإجراءات المشاركة في المناقصات، والمعلومات ذات الصلة أو الوثيقة الصلة بإرساء العقود،
ب-القيام  بإقرار ونشر شروط المشاركة  بما في ذلك معايير الاختيار،
ج- إقامة نظام فعالة للمراجعة الداخلية بما في ذلك نظام فعال للطعن، ضمانا لوجود سبل قانونية للتظلم والانتصاف،
د- إتخاذ تدابير مناسبة لتعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة الأموال العمومية  وذلك من خلال  المحافظة على سلامة دفاتر المحاسبة  أو  السجلات أو البيانات المالية أو  المستندات الأخرى ذات الصلة بالنفقات والإيرادات العمومية،
ه- إعتماد إجراءات تمكن عامة الناس من الحصول عند الاقتضاء، على معلومات عن كيفية تنظيم إدارتها العمومية.
فدسترة آليات تخليق الحياة العامة، هي القوام الأساسي لمناهضة الإفلات من العقاب و تحريك آليات متابعة مرتكبي الجرائم الاقتصادية  لاكتساب الاقتصاد الوطني والاستثمار ومجالس تسيير الشأن المحلي و الوطني المناعة اللازمة في مواجهة سلوكيات الفساد المالي و الإداري و تنقية مختلف القطاعات من الزبونية و المحسوبية و الرشوة وتمرير الصفقات و التملص الضريبي وسوء تدبير وترشيد المال العام ، وجعل تكافؤ الفرص وسيادة القانون هي المنحى الصحيح لكسب رهان التنمية وبناء صرح دولة الحق و مأسسة  المجتمع الحداثي وخلق مناخ للاستثمار الوطني والأجنبي.

الفصل الرابع: دور الاعلام في نشر القيم الاخلاقية  لحماية المال العام
إذا كان دور الإعلام يتجسد في ممارسة الرسالة النبيلة في نقل المعلومات وتفعيل وإعمال الحق في الخبر، فهو يقوم أيضا بنشر ثقافة المواطنة من خلال تنوير الرأي العام والرقابة على حماية المال العام مع احترام ضوابط أخلاقيات المهنة مثل حماية الحق في الحياة الخاصة وتجنب جميع أشكال القذف والتجريح والإشاعة.
ترتبط حرية الصحافة بضمانات وردت في العديد من المواثيق الدولية والإقليمية أهمها:
المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:"لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة ودونما اعتبار للحدود".
المادة 19 من الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية:"لكل فرد الحق في حرية التعبير وهذا الحق يشمل حرية البحث عن المعلومات أو الأفكار من أي نوع واستلامها ونقلها بغض النظر عن الحدود، وذلك إما شفاهة أو كتابة أو طباعة وسواء كان ذلك في قالب فني أو بأي وسيلة أخرى يختارها".

الفقرة الاولى:  الضمانات الدستورية لاعمال الحق في الخبر في قضايا المال العام
إن تأكيد الدستور الجديد على التشبت باحترام حقوق الإنسان كما عي متعارف عليها كونيا، هو بمثابة اعتراف صريح بالتزاماتها بإعمال المقتضيات الواردة في الاتفاقيات والصكوك الدولية المتعلقة بحماية حرية الصحافة وبأنها تشكل جزء لا يتجزأ من التشريع المغربي.
إن مرجعية الدستور الجديد تمثل في حد ذاتها دعامة أساسية لنشر الوعي وثقافة حماية المال العام على المستوى الوطني، وتشكل تعبيرا قويا عن الطابع العالمي والبعد الكوني لمبادئ تخليق الحياة العامة، لأن الدولة تتعهد وتضع على عاتقها إلتزامات المساءلة والمحاسبة في مجال تدبير السياسات العمومية.  
      فالتنصيص على التعهد بإحترام مبادئ المساءلة في مجال تدبير السياسات العمومية في الوثيقة الدستورية الجديدة يكتسي قيمة قانونية خاصة، ويحمل بين طياته دلالات عميقة من حيث الترتيب الدستوري. فبعد تحديد الديباجة لهوية الدولة، تؤكد على تأصيل إلتزامات الدولة المتعلقة بتخليق الحياة العامة، وتعتبر أن مبادئ المحاسبة والمساءلة بمفهومهما الكوني يندرجان في مقومات هوية الدولة المغربية والثوابت التي يقوم عليها النظام السياسي المغربي.
وإن حاولنا تحليل المقتضيات المتعلقة باحترام المبادئ الكونية لحقوق الانسان الواردة في الدستور الجديد، فسنجد أنها تعكس بشكل جلي كونية المبادئ الدولية لحرية الصحافة، على أساس أن مبادئ حرية التعبير والرأي والتماس المعلومات ونقل الخبر هي ثابتة المضمون وتحمل نفس المقتضيات والدلالات ولا تختلف من دولة إلى أخرى، وبالتالي لا يجب أن تتأثر بالأنظمة السياسية أو نمط الحكم، حتى لا يتم مصادرتها على نحو تعسفي أو غير قانوني قد يؤدي إلى حرمان المواطن من الحق في الخبر والتوصل بالمعلومات.
لذلك فحرية الإعلام  لا يجب أن تنحصر في حق الإعلامي في التعبير والرأي فحسب، وإنما تشمل أيضا حق تلقي ونقل المعلومات إلى المواطنين، لذلك ينطوي الحق في الخبر في إطار نشر حماية المال العام على بعدين أساسيين أحدهما فردي والآخر جماعي.
فالحق في الخبر وتلقي المعلومات المتعلقة بتدبير الشأن العام هو حق لكل مواطن بشكل فردي يتفاعل مع حرية الفكر والضمير والرأي والمشاركة الفعالة  في التنمية السياسية والاقتصادية للبلد.
إضافة إلى ذلك، فالحق في الخبر هو حق جماعي يساهم في تشكيل الرأي العام ويسمح للمجتمع في الحصول على المعلومات الكافية عند ممارسة خياراته وممارسة نوع من الرقابة على مؤسسات الدولة في إطار إشراك المواطن في إدارة الشؤون العامة للبلد.
       إن طبيعة دور الإعلامي في نقل المعلومات المتعلقة بالرقابة على المال العام على شكل مكتوب أو بأية وسيلة أخرى يندرج في نطاق حق المواطن في التماس الخبر ومختلف ضروب الأفكار والمعلومات. لذلك فممارسة حرية الصحافة هي شرط أساسي لإخبار الرأي العام ويجسد الإعلام المستقل عن الدولة  الأداة التي يمتلكها الرأي العام لمراقبة سير مؤسساته. فضمان حرية الصحافة هي حق لجميع المواطنين من أجل التلقي والحصول على المعلومات المتعلقة بتدبير الشؤون العامة وسير المؤسسات العمومية
إن مجال الرقابة على حماية المال العام يجب أن يخرج العلاقة التي تجمع الدولة والإعلام من مجال السيادة المطلقة إلى مجال تقنين المسؤولية القانونية في مجال نشر المعلومات، وهو ما يستدعي تقييد حرية تصرف مؤسسات الدولة مع الإعلام من أجل تفعيل الحق الدستوري في الخبر، الأمر الذي سيساهم في ترشيد العمل الإعلامي  بالإلتزام بالتحري والتقصي قبل نشر الخبر وحماية الحياة الخاصة للأفراد وكرامتهم الإنسانية وتجنب جميع أشكال القذف والتجريح والإشاعة.
حددت  لجنة الحقوقيين الدولية مفهوم ممارسة حرية الإعلام عام 1981 في كونه "أن كل إعلامي هو حر في التعامل مع القضايا وفق حدود القانون وضوابط أخلاقيات المهنة دون أن يكون خاضعا لأية مؤثرات أو ضغوط مباشرة وغير مباشرة كيفما كان مصدرها..."
وأكدت لجنة الحقوقيين الدولية أن الدولة هي التي تضمن استقلالية الصحافة من خلال التنصيص عليها في الدستور والتشريع، حيث تضمن حرية واستقلالية الصحافة بمنأى عن أي تدخل كيفما كان نوعه.
وفي هذا الإطار، أكدت هيئة الأمم المتحدة في اتفاقية سرقسطة عام 1984 على مجموعة من المبادئ التوجيهية للدول في مجال إعمال حرية التعبير ومنها بالطبع حرية الإعلام :
1- إن إعمال حرية التعبير لا يجب أن تخضع إلا للقيود المنصوص عليها في القانون.
2- إن القيود التي تحد من حرية التعبير لا يجب أن تكون تعسفية أو أن تعيق بناء أسس الديمقراطية.
3- إن القيود التي تحد من حرية التعبير يجب أن تكون قانونية واضحة وفي متناول الجميع، ولا يجب أن تصاغ القيود بشكل غامض وغير محدد تفسره السلطات العمومية كيفما شاءت.
4- أن ينص القانون في مجال الحفاظ على النظام العام على ضمانات وطرق طعن لمواجهة أشكال التعسف في مجال حرية التعبير.
          كما ركزت اتفاقية سرقسطة على تحديد مفهوم حماية النظام العام في مجال حرية التعبير وذلك من خلال إلزام الدول بمبدأ أساسي: ضرورة خضوع أجهزة الدولة المكلفة بالحفاظ على النظام العام في مجال حرية التعبير لمراقبة البرلمان والقضاء
          يتبين أن مبادئ سرقسطة خلقت نوع من الترابط العضوي بين ممارسة حرية الصحافة واحترام القانون من أجل حماية الحق في الخبر وتأصيل مسؤولية أجهزة الدولة أمام الرأي العام الوطني، وهو ما يستدعي توفر جميع مؤسسات الدولة على خليات للتواصل قصد تزويد الصحفيين بالمعلومات في إطار إعمال حق المواطن في الخبر.


الفقرة الثانية:  دواعي تفعيل الحق في الخبر ورهان تخليق الحياة العامة
عرفت الساحة الوطنية حدثا عابرا ولكنه يتضمن بين طياته دلالات عميقة، فقد  تعرض  مكتب جريدة الأحداث المغربية بمراكش لإجتياح من طرف عشرات النساء والأطفال. وتم الإعتداء يوم  14 مارس 2012 بالسب في الشارع العام على الصحفي إسماعيل حريملة المسؤول عن مكتب الجريدة المذكورة وعضو الفرع الجهوي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية   من طرف  مجموعة من  الموالين لأحد نواب رئيسة عمدة مراكش المكلف بتدبير أسواق الجملة للخضر والفواكه، وذلك أثناء قيام الصحفي اسماعيل حريملة بواجبه المهني في تجميع المعطيات حول ملفات الفساد المالي داخل المجلس الجماعي بمراكش المعروضة على القضاء لتنوير الرأي العام كما يمليه واجب دور الإعلام في الرقابة على حماية المال العام.
ومن ثمة، فحدث الإعتداء على حرية الصحفي أثناء قيامه بواجبه المهني، يعتبر سابقة أولى من نوعها تندرج في سياق شكل جديد من البلطجية يعود بنا إلى زمن السيبة والخروج عن القانون يروم تكميم الأفواه والتهديد والتخويف لم تعهده بلادنا من ذي قبل، كما أن هذا الحدث يعكس وجود عقليات تنتمي إلى الزمن البائد التي لا تؤمن بثقافة المواطنة وحماية المال العام وشعار الفصل بين السلطة وتجميع الثروة، وهو ما يشكل مساسا خطيرا بالحق الدستوري في الخبر وإجهاض مراقبة الرأي العام لتدبير المؤسسات المنتخبة ويعطل  المشروع المجتمعي في سياق الدستور الجديد في الشق المرتبط بإرساء دعائم الشفافية والنزاهة والبناء الديمقراطي.
وربما هذا الحدث العابر قد يدعو إلى التفكير في فتح نقاش وطني حول السبل والاليات الناجعة من أجل تفعيل مقتضيات المادة 41 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المتعلقة بتفعيل حق المواطن في الخبر، ويمكن الاستئناس بمنهجية المحاكم في استراليا المرتبطة بنشر بلاغات صحفية عن تطورات القضايا ذات إهتمام بالغ بالنسبة للرأي العام، وذلك بناءا على إقتراح رئيس المجلس الأعلى ، تفسر فيه المحكمة حيثيات ومضمون الحكم لتمكين عامة الناس من الإطلاع على روح العدل في الأحكام القضائية.
وعلى نفس المنوال، تقوم المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان بستراسبورغ والمحكمة الأوربية باللوكسمبورغ بإصدار بلاغات صحفية في العديد من القضايا التي تعرف متابعة إعلامية لتفادي أي تفسير أو تأويل للأحكام الصادرة بشأنها.
     فمأسسة شعار الفصل بين السلطة والثروة وترشيد حماية المال العام تستدعي فتح  جميع المؤسسات للنوافذ والأبواب أمام الاعلام من أجل إعمال الحق  في الخبر في سياق إرساء دعائم ثقافة الرقابة المواطنة لترشيد وحماية المال العام.
لذلك فمسألة وضع قانون خاص ينظم الحق في الوصول إلى الخبر والمعلومات  أضحى ضرورة آنية لنشر ثقافة ترشيد وحماية المال العام و الفصل بين السلطة والثروة ، حيث أن نساء ورجال الاعلام يجدون صعوبة كبرى في الوصول إلى المعلومات المرتبطة بمجموعة من قضايا وملفات الفساد المالي ذات البعد الوطني.
      إن إحداث قسم الاتصال لدى جميع المؤسسات هو ضروري من أجل نقل الخبر في مجال تدبير الشأن العام إلى الرأي العام الوطني والتواصل مع الإعلام، للمساهمة في تدفق المعلومات والأخبار ومناهضة الإشاعة وتجاوز سياسة النوافذ المغلقة.
فالتحول الديموقراطي الذي يعيشه المغرب يستدعي الإنتقال بالعلاقة التي تجمع الفاعل السياسي بالإعلام  إلى مجال تقنين المسؤولية القانونية في مجال نشر المعلومات والحق في الخبر، حيث يجب تقييد تصرف المسؤول عن تدبير الشأن العام و الفصل بين السلطة والثروة من أجل تطبيق سيادة القانون واليات المسالة والمحاسبة الواردة في الدستور الجديد ومنها الية الرقابة الاعلامية.
إن حرية الصحافة تشكل رافعة أساسية للبناء الديمقراطي وهو ما يستدعي اتخاذ مجموعة من التدابير التي تنسجم مع المعايير الدولية لحرية الصحافة وذلك تحديد مفهوم النظام العام بموجب القانون، كما ذهبت إلى ذلك مبادئ سراقوسطة. فحرية الصحافة ليست ترفا وإنما عامل يؤثر ويساهم في البناء الديمقراطي.
إن اعتبار نشر وثيقة لا تشكل مساسا مباشرا بالنظام العام جنحة قد يشكل تدبيرا من تدابير الرقابة الذاتية ينعكس سلبا على تدفق المعلومات ويمس حقا متأصلا من حقوق الإنسان وهو الحق في الخبر.
فالحديث عن حرية الصحافة في سياق رهان البناء الديمقراطي يستوجب إعمال المعايير الدولية للحق في الخبر وعدم إخضاعها لمجموعة من القيود المرتبطة بتفسير خاطئ وسيء كما تم التأكيد عليها في المادة 19 العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية "إحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم وأيضا حماية الأمن القومي والنظام العام والصحة العامة والآداب العامة".
وفي هذا الصدد، يؤكد المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية التعبير عن دور حرية التعبير في إرساء دعائم المجتمع الحداثي والبناء الديمقراطي: "حرية التعبير هي حجر الزاوية الذي يقوم على بناء المجتمع الديمقراطي ذاته، ولا يمكن الاستغناء عنها في تشكيل الرأي العام، وهي أيضا شرط لا غنى عنه لتنمية الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات العلمية والثقافية ولكل من يرغب في التأثير في المجتمع عموما. وهي تمثل باختصار طريقة تمكين المجتمع من الحصول على المعلومات الكافية عند ممارسة خياراته. وبالتالي يمكن القول بأن المجتمع الذي لا يحصل على المعلومات الكافية ليس حقا مجتمعا حرا".

حرر بتاريخ الخميس 7 مارس 2013 من طرف د.يوسف البحيري




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق